الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الميراث ...نظرة جانبية

الاستقطاب الحادث و المهيمن على الحياة السياسية المصرية ليس وليد احداث ما بعد الثورة كما توافق الجميع ..من اول الجلوس مع عمر سليمان فى ال18 يوم الاولى مرورا بالاستفتاء ثم التسابق على دعم العسكر..فأحداث ماسبيرو ..ومحمد محمود و الانتخابات التشريعية....و لكنه ميراث اكثر من ثلاثون عام من تكريس النظام السابق لمبدأ الفرقة و التشرذم بين الجميع.

بدأها السادات حينما اطلق الشيوعيين على القوميين ثم اطلق الاسلاميين على الشيوعيين ثم اطلق الاخوان على الاسلاميين ثم اطلق المثقفين الليبراليين على الجميع...و ما لبث ان ضاق زراعا بالكل فأرسل الجميع لسجن فى اعتقالات سبتمبر 81 الشهيرة.

و جاء بعده مبارك متمهلا حذرا...افرج عن الجميع و سمح للجميع بالعمل و مد للجميع يده اليمنى مرحبا و اطلق باليسرى الامن على الكل...و اصبحت ادارة اللعبة السياسية فى مصر مهمة الاجهزة الامنية و معها رجل المهام القذرة صفوت الشريف.

و عمد الامن و معه الاعلام على سياسة الحوار و المراجعات الفكرية و هى السياسة التى ظاهرها فيها الرحمة و باطنها من قبل العذاب...فكان الاسلاميين اول تطبيق عملى للسياسة الجديدة و بدأت المساجلات و المحاورات الفكرية مع الاسلامييون فى السجن و خارجه بمساعدة جيش من المثقفين و الفقهاء من الازهر و من داخل التيارات الاسلامية ذاتها...و تراجع البعض و تمسك البعض ووقف البعض فى المنتصف...و تدريجيا ظهرت الشروخ واضحة فى جدار القوى الاسلامية..و هى الشروخ التى تحولت لانقسامات ايدولوجيا ثم الى فرق لاصحاب كل راى و ليس كل فكر...و هى النتيجة التى اعجبت الاجهزة الامنية فذكتها بأشخاص بعينهم- تم تجنيدهم- من داخل كل تيار لتقسيمه و تفجيره..فبدأنا نسمع عن السلفيين الدعويين و السلفيين الجهاديون و السلفيون التكفريون..ثم مزيد من التشرذم من قبيل سلفى الدعوة الى انصار السنة و الجماعةو سلفى اسكندرية والجماعة الاسلامية..ثم اصبحت الفرق بسم شيوخها...و هو ما اصاب الاخوان ولكن بدرجة اقل ..فأخوان البنا و اخوان سيد قطب..و الاخوان السابقون المنشقون...

و كانت ولادة هذة التشرذمات على يد و امام اعين الاجهزة الامنية..مما مكنها من التعامل و محاصرة كل فرقة على حدى....و هى النتيجة التى اعجبت القيادة السياسية فأعطت الضوء الاخضر للامن لتعميم التجربة...فأنتقل الامر لتيار اليسارى...من القوميين للاشتراكيين لبقايا الشيوعيين- الذين تكفل بهم انهيار الاتحاد السوفيتى- فأنقسم التيار الناصرى الى اربع احزاب و اليسارى الاشتراكى الى حزب التجمع وحزب الاحرار و  حزب العمل- الذى تحول لحزب اسلامى - و هاكذا.....

و تبدت الصورة العامة لمعارضة السياسية فى مصر عن تيارات عامة مناهضة و معارضة لنظام الحكم الى انها ازاء انقسامتها و فرقها اشد معارضة و خصومة لاختلافات ايدولوجيا لا ترى بالعين المجردة..اختلافات قوامها الاساسى احقية كل فريق بتمثيل التيار العام المنتمى له...فهذا هو الاسلامى الحق حامى الشريعة ..و هذا هو الاشتراكى الحق ...و هذا هو القومى ابن عبد الناصر البار و خليفته..

بل الانتقل الامر من السياسة للمجتمع...فتم تناول ملف المسلمين و المسيحين بنفس الطريقة ...بل وصل الامر للكنيسة القبطية ..فظهر المسيحيين العلمانيين..ثم مسيحى الخارج ينازعون الكنيسة الشعبية فى الشارع المسيحى ..بل وصل الامر للبابا شنودة نفسه حينما ظهر منه ما بدى ندية و استقلاية و استقواء بمسيحى الخارج ان ظهر فجأة البابا ماكسيموس ينازع الكنيسة فى الكرسى البابوى و يطعن فى البابا و شرعيته.

فأصبح الانقسام و الاستقطاب و الكراهية هى مفردات الحياة المصرية كلها..فأرتاب الاسلامى من الليبرالى و كره اليسارى و العلمانى و العكس..و ارتاب المسيحى من المسلم و ارتاب الغنى من الفقير و المرتشى و الفاسد من الشريف...و لم يعد احد فى مصر يرى فى الاخر الى مشروع خائن و عميل او فاسد مهما بدا له فى هذا الاخر من حسنات...بل ان كل فعل حسن اصبح سبب اشد لريبة من الفعل الفاسد....و تبنى الجميع نظرية المؤامرة.

و بأنشغال الجميع بتكريس الخصومة على صفحات الجرائد و القنوات التلفزيونية مقالات و مقابلات و مداخلات هاتفية لتيارات التى لاتتبنى الخطاب الاسلامى ..و على المنابر و وسط العامة و المهمشين لتيار الاسلامى لم يكن صعبا على نظام مبارك ان يكرس للجميع انه و حزبه الوطنى هو رمان البلى و صمام الامان للمجتمع المصرى على هذة الصورة حتى و ان بدت سياساته و مبادئه متضادة لا تستقيم..فهو النظام -الحزب- الراسمالى الذى يرعى محدودى الدخل و المهمشين..الاسلامى المعتدل الامين على حقوق المسيحيين..الليبرالى المتنور الذى يحترم تقاليد المجتمع و عاداته...و لم يقتصر الايمان بحتمية بقاء النظام على العامة بل انتقل الى التيارات السياسية معظمها و مجتمع رجال الاعمال و صاحب كل مصلحة و ما اكثرهم.

لا عجب اذا ان يكون جمهور ثوار 25 يناير من خارج هذة التيارات جميعها...فلم يتبننى او يشارك من هذة التيارات فى الايام الاولى اى فصيل اللهم الى من تبنى افكارهم و لكن من منازله..و حتى من شارك منهم شارك افراد لا يمثل الا نفسه...لا يستثنى منهم احد سوى الاخوان الذين اننتبهوا لجدية الاحداث سريعا فكان تواجدهم سريعا مع جموع الثوار من اليوم الثالث يدعهم متاننة التنظيم و سهولة الحشد.

و مع انتهاء ال 18 يوم و عودة الثوار لمنازلهم ...و عدم مشاركتهم بنفس الحشد الا فى جمع متفرقة و لاحداث بعينها لا يجمعها الا انها تثير شعلة الغضب المقدس التى كانت سببا فى الثورة.....عادت الحياة السياسية فى يد من اعتادوا على المناخ المسمم مناخ الكره و الاستقطاب و نرجسية الاحقية و الافضلية على تمثيل الجميع....و هو المناخ الذى انتقل بالعدوى لمن تبقى من الثوار ممن ارادوا العمل السياسى- وليس ادل من انقسام صخرة 6 ابريل الى جناحان يوشك احدهم على الزوال-.

لم يكن مفاجىء اذا ما رأينا من يوم الجمعة 10/12بميدان التحرير..و لم يكن محزن ما سببته القوى الاسلامية و على رأسها الاخوان ..او القوى المدنية -طبقا لتحليل مناصرى كل تيار- من مناخ استقطابى و كراهية فى الشارع بعد الثورة....و لكن المحزن حقا هو فشل الثورة فى تبديد ميراث الكراهية و الاستقطاب ما قبل 25 يناير عن تيارات ابت الى ان تحمله حتى تفنى احداهما الاخرى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق